داء إنقطاع التنفس المؤقت أثناء النوم

قد لا يدرك بعض أولئك الذين يبددون هدوء الليل بصخب شخيرهم و يقضون مضاجع شركائهم بالفراش أنهم ربما يعانون مرضاً يتظاهر أثناء النوم حاملاً في طياته مخاطر تهدد حياتهم .
داء ( إنقطاع التنفس المؤقت أثناء النوم ) آفة يدعوها البعض بمرض ( الشريك ) و هو داء يصيب الرجال أكثر من النساء و يتظاهر بنوبات توقف التنفس المؤقت أثناء النوم ثم عودته بشكل صاخب فيصدر النائم عندئذ ضجيجاً عالي الوتيرة ندعوه الشخير.

و تجدر الإشارة هنا إلى أنه من الطبيعي أن يشخر كل فرد منا إلى حد ما أحياناً و هذه حالة عرضية لا ضير منها و لا خطر يقبع خلفها , إلا أن موضوع بحثنا سيتركز حول الشخير الدائم المزمن و اليومي أثناء النوم و الذي يعتبره الأطباء عرضاً لآفة أخرى و ليس مرضاً بحد ذاته, فهو علامة لمرض آخر كما الحرارة العالية عرض يرافق الإنتان الميكروبي, و السعال عرض للأمراض التنفسية مثلاً.
و لا يخفى على أحد ما يسببه الإنسان أثناء الشخير من إزعاج و تذمّر في أي مكان ينام فيه منزلاً كان أو فندقاً, مما يسمم العلاقات العائلية و المهنية .

أما الأبعاد الصحية التي يخلفها هذا الداء فهي من الخطورة بمكان يجعلها تتبوأ اليوم موقعاً مهماً في الدراسات الطبية الحديثة , إذ تشهد السنوات الأخيرة تحولاً كبيراً في إعادة تقييم مفهوم الشخير من الناحية الطبية لأن الشخير و المشاكل الصحية التي قد تنجم عنه يمكن أن تشكل نذير خطر و مصدر معاناة حقيقية لجهاز التنفس و القلب.

و لما لهذا المرض من أهمية حقيقية في تهديد صحة الإنسان و حياته فقد أخذ ينال في العقد الأخير من الزمن قسطاً أوفر في دراسات الأطباء و الباحثين, و لقد أُعتقد سابقاً أن هذا الداء هو مرض يصيب البدينين فقط و دعي بمتلازمة ( بيك ويك ) إلا أن الدراسات الحديثة أظهرت أن ثلث الحالات المرضية يتم ملاحظتها لدى غير البدينين , و تأتي الشكوى من الشخير الليلي في الدرجة الثانية بعد الأرق في شكاوي المرضى.

و يشكل الرجال معظم المصابين إذ يتجاوز عددهم أكثر من أربعة أضعاف عدد النساء و يعتقد أن العمر الوسطي الذي يبدأ فيه الرجال بالشخير يتراوح ما بين 35 و 45 سنة بينما يزداد إنتشاره لدى النساء ما بعد سن الخمسين مما دعى للإعتقاد بوجود حماية هرمونية عند النساء قبل سن اليأس , و تتساوى أعداد المرضى من الجنسين بعد الستين من العمر.

يتوقف التنفس و يحدث الشخير

هناك مجموعة من الأسباب التي تقف وراء إنقطاع التنفس أثناء النوم يقف على رأسها ضخامة شراع الحنك و إرتخاء عضلاته و فقدان مرونة الأنسجة الرخوة للبلعوم الفموي و اللهاة , حيث تسد النُسج المرتخية مجرى التنفس أثناء النوم فتحجب هواء الشهيق و يتوقف دخول الهواء للرئتين لعدة ثواني  قد تصل إلى 40 ثانية أو أكثر فتحجب عن النائم الأكسجين, و يحاول النائم التنفس أثناء التنهد مع حركات التنفس الصدري و الحجاب الحاجز مما يؤدي لتغيرات في ضغط الهواء الرئوي  و تتعرقل حركة الدم في الرئتين و القلب فيتسرع نبض القلب و يرتفع ضغط الدم, و خلال ثواني من إنقطاع التنفس يتدنى مستوى الأكسجين في الدم و يتنبه الدماغ إلى هذه الحالة الطارئة , فيبدأ النائم بالإستيقاظ لتعود عضلات المجرى الهوائي للإنفتاح بعد تقلص فجائي فيندفع الهواء للرئتين بسرعة و تهتز نسج العضلات المرخية في البلعوم الفموي مما يسبب الشخير الصاخب.

لكن المصاب لا يتذكر هذه العوارض نظراً لقصرها , إلا أنها تكون كافية لفتح المسلك الهوائي العلوي من جديد, ثم يأخذ عدة أنفاس عميقة بسرعة قبل أن يعود الشخص للنوم و يشخر من جديد بعد كل نوبة من نوبات توقف التنفس, و تتكرر هذه الدورة من الشخير مئات المرات في الليلة الواحدة مترافقة بنوبات توقف التنفس أثناء النوم مما يؤدي إلى نوم متقطع يحرم المصاب من مرحلة النوم العميق و يحول ليله إلى جحيم دون أن يدري.

و تقف البدانة على رأس قائمة الأسباب المرضية التي تفاقم من خطورة هذه الحاثة الطارئة , كما يمكن مشاهدة زيادة في تواتر نوبات إنقطاع التنفس أثناء النوم لدى المصابين بآفات الأنف و الحنجرة كإلتهاب الجيوب الأنفية و ضخامة القرينات الأنفية و إنحراف الوتيرة الأنفية و ضخامة اللوزات و الرشح المزمن, و يساهم تناول المهدئات و المسكنات و الكحول في تفاقم الإصابة إذ يزداد عدد نوبات توقف التنفس أثناء النوم.

و يؤثر النوم السطحي المتقطع و غير المجدي في قدرات المصاب الذهنية و المهنية فيشكو المريض من النعاس الشديد أثناء النهار و عدم القدرة على التركيز و ضعف الذاكرة و قلة الإنتباه و التقهقر الفكري و يزداد خطر حوادث الطرق لدى المرضى لا سيما السائقين منهم لأكثر من تسعة أضعاف غيرهم من الأشخاص الطبيعيين , كما يعاني المصاب من الصداع نهاراً و سرعة الإنفعال و الغضب و فرط الهياج و العصبية.

و يزيد الجوع للأكسجين من مخاطر الأذيات الدماغية كما يؤهل لحدوث الجلطات الدماغية , و يسبب نقص الأكسجين الناجم عن توقف التنفس أثناء النوم إضطراباً في النظم القلبية و تأرجحا في ضغط الدم و زيادة الآفات القلبية الإكليلية مما يؤدي لحدوث النوبات القلبية القاتلة .

و إذ ندرك اليوم المخاطر التي تنطوي عليها هذه الآفة لا ينبغي أن ننظر إلى الشخير كوسيلة للتندر و السخرية , بل كعلامة مهمة من العلامات السريرية التي تدعونا لدق ناقوس الخطر و العمل بجدية لتحديد أسباب الآفة و إتقائها قبل أن تستفحل و تودي بحياة صاحبها دون سابق إنذار , إذ ليس بغريب أن يخلد أمثال هؤلاء المرضى لسبات ابدي لا يقظة منه البتة .

مختبرات النوم و آلات التنفس

يضع العلم اليوم بين أيدينا مجموعة من الوسائل الإستقصائية المهمة لتشخيص الإصابة بمرض إنقطاع التنفس المؤقت أثناء النوم , و تشهد المراكز العلمية تحولات جديدة في إعادة تقييم مفهوم الشخير القابع خلف آفة إنقطاع التنفس تلك , و تنتشر اليوم في معظم المستشفيات ومراكز أبحاث الأمراض الصدرية مختبرات خاصة لدراسة هذه الظاهرة و تحري أسبابها تدعى بمختبرات النوم.

يستغرق إجراء مخططات النوم في هذه المختبرات ليلة كاملة عند إجراء مخططات النوم متعدد المسارات , و يجري ربط الشخص المريض بمسجل تخطيط كهربائي للقلب و الدماغ لدراسة وظائف الأعضاء الحيوية , كما يجري تخطيط العضلات الكهربائي و حركات مقلة العين و التنفس الفموي الأنفس و يسجل الشخير بميكروفون و يتم تحديد مستوى الإشباع بالأكسجين , و في نهاية ليلة من التسجيل على شريط خاص يقوم الأطباء بترجمة هذه المخططات و تفسير معانيها .

و تبلغ العتبة المقبولة لتشخيص توقف التنفس أثناء النوم عند تسجيل إنقطاع التنفس لمدة عشر ثواني على الأقل بحيث تتكرر هذه الظاهرة خمس مرات أو أكثر خلال النوم , و يُشاهد تباطؤ في دقات القلب يرافق إنقطاع التنفس و نقص الأكسجين في الدم , ثم يتسرع القلب مع عودة التنفس , و تسجل التظاهرات الليلة لتوقف التنفس و الشخير أثناء النوم على شريط فيديو يتم عرضه أمام المريض في صباح ليلة تلي المراقبة المستمرة أثناء النوم.

يصاب المرضى بالهلع عند مشاهدتهم أفلاماً هم أبطالها فينتابهم الرعب لما قد ينتظرهم من مخاطر تهدد قلوبهم و ليس لهم من حيل لتجنب ذلك إلا إستخدام الجهاز المصمم من قبل الأطباء الإستراليين الذي يعطي الهواء بضغط مرتفع مما يخفف من إرتخاء العضلات و إغلاقها للمجرى التنفسي , إلا أن مثل هذا الجهاز المانع لتوقف التنفس أثناء النوم لا يزال بعيد المنال عن جيوب الكثيرين لغلاء ثمنه.

هل من أمل في الشفاء ؟

لماذا لم نتمكن من التخفيف حتى الآن من معاناة المرضى و الحد من إنتشار هذه المعضلة الأخيرة ؟ لأن المرضى لا يدركون مدى خطورة إصابتهم , و غالباً ما يكون شركاء الفراش هم الذين يقرعون أجراس الخطر عند إكتشافهم شريكاً مضجعاً بجوارهم بلا حراك أو نفس لا يلبث بعد لحظات أن يصدح بشخير يقض المضاجع.

و ليس بحوزة الأطباء وسيلة رخيصة لعلاج المرضى على الرغم من وجود عشرات الطرق المبتكرة لتخفيف المعاناة بدءاً من القطرات الأنفية و حتى الأقنعة التي تشابه تلك المستخدمة أيام الحروب الغبرة ضد الغازات السامة و التي تمتص الأصوات الصاخبة و تدفع الأكسجين النقي , و إبتكرت أيضاً أجهزة إلكترونية حسّاسة للأصوات العالية تعطي إنذارات منبهة للنائم أثناء الشخير .

و يناضل الأطباء في سبيل تخفيف المعاناة بإجراء جراحات يستأصلون خلالها الزوائد و الكتل الأنفية المانعة للتنفس و يقومون بتصنيع العضلات المرتخية في البلعوم و شراع الحنك.

و ينصح الأطباء للوقاية من الشخير بعدم تناول المهدئات و الكحول قبل النوم, كما ينصحون بتخفيف الوزن مما يحسن من جودة النوم و يخفف من نوبات توقف التنفس, و ما زالت  الدراسات قائمة لإيجاد حلول أنجح في علاج هذه المعضلة , و التي عرضناها بهدف التعريف لا التخويف , فعدد ضحايا هذه الظاهرة لا يشكل ما يؤدي إلى رعب عام بين أصحاب الشخير العالي الكثر , لكن إعلاء نبرة التحذير قد يكون نافعاً لبعض المراجعة الطبية التي لا تضر , بل تفيد !


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اللبن الزبادي أمل جديد على الساحة الرياضية

أقراص خلاصة الكبد و لاعب كمال الأجسام

السيلينيوم و فوائده و وظيفة الغدة الدرقية